آخر المشاركات

الاثنين، 27 أغسطس 2012

فتاة تنقذ والدها من الموت والتعذيب بعد أن احتجزه تشكيل مسلح


فتاة تنقذ والدها من الموت والتعذيب بعد أن احتجزه تشكيل مسلح

تناوب على ضربي من 8 إلى 11 أشخاص بالعصي وكابل كهرباء

أخبرني أحدهم أنه سيساعدني على الهرب ووشوشني "أنا طير خضر"



قصة واقعية

تكررت حالات التعدي على حقوق المواطنين في ليبيا بانتشار السلاح والمجموعات المسلحة غير المنظمة وغير المختصة في الضبط أو التحقيق في كل المدن الليبية دون استثناء، وفي غياب القانون صار الاقتصاص من مرتكبي هذه الجرائم أمرا صعبا.

وقد التقيت شخصا تعرض للاعتقال والتعذيب آثرت أن لا أذكر اسمه، وكان رجلا يبلغ من العمر 62 عاما، تعرض للاعتقال على يد مجموعة من المسلحين يتراوح عددهم بين 7 إلى 8 أشخاص، حيث اقتادوه من مكتبه المختص في تأجير العقارات وبيعها، وطلبوا منه أن يذهب معهم بدعوى أن لديهم أمرا من النيابة بالقبض عليه، وقد قامت ابنته وهي محامية بالبحث عنه، والتفاوض مع من احتجزه رغم تعرضها للتهديد لإطلاق سراحه.

وعن تفاصيل ما حدث قال ضيفنا "اقتادوني ليلا حال القبض علي لمكان مظلم - جهة القوارشة – ومررنا بطريق مظلم حفت جانبيه أشجار كثيفة، وقبل أن نصل المكان وضوا كيسا على رأسي، ومن ثم أنزلوني بمبنا إداري، وبدأوا بالتحقيق معي أخذوا هاتفي واخبروني أن لدي اتصالات ورسائل عبر الهاتف بمجموعة من الأشخاص وأني طرف في شبكة تخريبية، مع العلم أن كل الرسائل في هاتفي لم تكن تشير لأي شيء مريب، وقاموا بسؤالي عن كل اسم موجود بهاتفي وأخذوا تفاصيل عن علاقتي به، ومن بين من وجدوا من أسماء أصدقاء لي بطرابلس كنا زملاء نعمل سوية حين كنت ملتحقا بالجيش منذ سنوات، وقاموا بسبي واهانتي بكل الألفاظ غير اللائقة التي كان يتقاذفها علي كل من كان بالمكان، ومن وقت لآخر كان يشير أحدهم بأن يسمحوا له بأن يطلق علي النار ولا يتعبوا أنفسهم في التحقيق معي، واستمر التحقيق بأن يجبروني على الزحف على الأرض، بعد أن يطلبوا مني أن أرفع بنطلوني لما فوق الركبة والضغط علي بالتهديد والشتم".

وأكمل كلامه "من بين الأسماء الموجودة بهاتفي ركزوا على أحدها وطلبوا عنوانه، وكان شخصا لا تربطني به معرفة قوية يسكن في عمارة تسكن بها خالتي، وسألوني عن عنوانه فأخبرتهم به، ذهبوا ليحضروه فلم يجدوه، فعادوا ليطلبوا مني الاعتراف بأني تابع لشبكة تخريبية، وهذه المرة وعدوني بأنهم سيوفرون لي حراسة مشددة بأكثر من أربعة عناصر مسلحين يرافقونني ويحرسون منزلي".

ذاكرة لا تنسى الألم
روى لنا ضيفنا بألم ذاكرة لم تنسى أدق التفاصيل مسترجعا كل كلمة قيلت له قائلا "من بين التهم التي وجهت لي أني كنت ملتحق بالجيش وكنت في معسكر قاريونس، واتهموني بأني تابع لمثابة داخل المعسكر اسمها القدس، مستدلين بأني أطلقت هذا الاسم على مكتب تأجير العقارات الذي أملكه، وقد أنكرت علاقتي بهذه المثابة ونفيت وجود علاقة بين اسم مكتب عقاراتي وتلك المثابة، لكن اتهاماتهم لي استمرت، كما وجهوا لي تهمة إدخالي 75 صاروخ لتدمير المحكمة وما حولها، فأجبتهم بأن أقاربي وبناتي يسكنون في تلك المنطقة، كما قالوا لي أنهم قاموا بالقبض على الشبكة وهي من أخبرتهم بمشاركتي في أعمالها فطلبت منهم أن يواجهوني بهم، لكنهم سكتوا، وباستمراري إنكار التهم الموجه اقتادوني "للفلقة" والتي تمثلت في تقييد رجلي في بندقية وثبتوا أقدامي بحزامها، ومن ثم تناوب على ضربي من 8 إلى 11 أشخاص بعضهم بكابل كهرباء 4 مل، فيما قام آخر بضربي بجزء من إطار باب إحدى الغرف، والذي تكسر فوضعه على اثنين، وتكسر فضمة إلى أربع، ومع استمرارهم بضربي اشتد بي الألم فقمت بضم رجلي، وإثرها ضربوني بشكل عشوائي على جسدي ما أدى إلى إصابتي بشكل بليغ بأحد جنبي، وبعد أن بدأت قدمي بالنزف بللوها بالماء وأحضروا كيس مليء بالملح ووضعوا رجلي به، كنت أتوقع أن تصيبني الآم شديدة إلا إني استغربت أني لم أشعر بشي مطلقا".

تمكنا من رؤية أثر الزحف بركبتيه، ورجليه بعد 13 عشر يوما من احتجازه والتي لم تزل رغم أخذه أدوية ومضادات لعلاج التقرحات التي أصابته.

وقد أكمل الرياني حديثه عن الإصابة التي تعرض لها في جنبه حيث بدأ الالتهاب يتمدد حتى اتسع لرقعة كبيرة عجز بها عن التقلب، ولعدم قدرته التحمل طلب منهم أن ينقلوه للمستشفى ليعالج، وأخبرنا قائلا "دخلنا للمستشفى، وكانوا بالقوة يوقفون الناس ليمروا، كما لم ننتظر حتى يحين دورنا لندخل لغرفة الكشف للطبيب، وإنما بالقوة أدخلوني ولم يسمحوا لي بالحديث مع الطبيب عن أسباب إصابتي، فقال من كان يراقبني بأني مصاب بالبرد، لكن خوفا من أن يتم تشخيص الحالة بشكل خاطئ اعترضت كلامه وقلت له إن السبب ليس إصابتي بالبرد، فشخص ببصره في مهددا، لكنه اطمئن حين أخبرت الطبيب أني تعرضت للإغماء وارتطمت بحافة طاولة وأصبت، لكنهم لم يحضروا لي الدواء بل اقتادوني لمكان احتجازي مجددا".

هددوني بالقتل فاكتفيت بقراءة القرآن

وأكمل قصته "كانوا يهددوني بالقتل والضرب بشكل مستمر بالتعرض لي جسدينا بالضرب ونفسيا بالسب والشتم" لكني اكتفيت بقراءة آيات من القرآن، وفي جزء آخر من التحقيق قالوا أن هناك من لديه معلومات تدينني وأرادوا أن يلتقوا بي لكنهم لم يسمحوا لي رؤيتهم، وحين إلتقيتهم بدءوا بالتحقيق معهم فاعترفوا أنهم يعرفوني، وأنهم وجدوا بحساباتهم 50 ألف دينار، كما أن الشخص الذي عملوا معه في البداية قال لهم "إذا اختفيت اذهبوا لفلان في بنغازي مشيرين لي" سبق وأن شاركت في الملتقيات التي كانت في عهد القذافي والتي كنا نحاول عن طريقها تقديم بعض الخدمات للشباب، وأنه سبق لي الظهور على شاشة التلفزيون، لم أنكر وأخبرتهم أن هذا كان يحدث بالفعل، كما استندوا في معلوماتهم إلى اتصالات وجدت بهاتفي بأناس من طرابلس كانت كلها أثناء فترة الأحداث، ونحن لنا أقارب هناك، وفي آخر اتهاماته سألني عن علاقتي بالتهديدات التي أطلقها الساعدي مؤخرا، وأخبرني "إن اعترفت على من معك فإننا لن نؤذيك وسنساعدك على الخروج".

وأكمل حديثه "عندما قبضوا على الشخص الذي بحثوا عنه سابقا ولم يجدوه واجهوني به، ويبدو أنه بعد الضرب والتهديد أخبرهم في حضوري بمعلومات مغلوطة عني بأني كنت أعمل لحساب القذافي، وأني متورط مع شبكة تخريبية، ومن ثم أخرجوه وأطلقوا سراحه وقالوا لي إذا اعترفت سنطلق سراحك، إلا أني واصلت إصراري ببرائتي كل التهم التي وجهت إلي".

مخمورون هددوني بالقتل
وعن التهديدات التي عرضت حياته للخطر قال "من بين ما تعرضت له أثناء احتجازي هو تكرر دخول بعض المخمورين من وقت لآخر والذين كانوا يهددونني بالقتل، وقد قام احدهم بخنقي حتى كدت أموت قائلا "عندي خوي مات في الجبهة" حينها أسلمت أمري لربي وتشهدت، وعلى مرأى منهم دون أن يحميني منه أحد، وفي أكثر من مرة كانوا يحشون بنادقهم بالرصاص ويسحبون الأقسام، ويخبروني أنهم سيقتلون، محاولين بذلك إجباري على الاعتراف، وحين عجزوا طلب مني أحدهم أن أكذب، ولإخافتي أكثر أخبروني أنه في المرحلة القادمة سيتم تعذيبي بالكهرباء، لكن هذا لا ينفي وجود أشخاص طيبين معهم اعترضوا على الطريقة التي تم تعذيبي بها".

وأضاف "حدث أثناء التحقيق أن كتب لي احدهم كلمات على ورقة ولرداءة الخط والأخطاء الإملائية التي كانت به لم أفهم ما كتب فسألته: ماذا تقصد، فأخبرني أنه يريد أن يخرجني ويساعدني على الهرب لمصر أو تونس، واقترب مني ووشوشني "أنا طير خضر"، ورفضت عرضه رغم خوفي من أن يؤذيني لو كان بالفعل مواليا للنظام السابق، وقد عرض علي أن أدفع له مقابل تهريبي فسايرته خوفا من أن يقوم بقتلي".

الاحتكام للعقل والقانون

كما التقينا ابنة الرجل الذي تعرض للتعذيب وكانت محامية لتحدثنا بما تعرضت له العائلة من ضغوطات فترة احتجاز والدها والتي قالت "تعرضنا للتهديد عبر الهاتف من قبل من اعتقل والدي، وكانوا يخبروني أنه يتم تعذيبه وطلبوا منا أن نعترف بتورطه ليسلموه لنا، وبسبب غياب الجهات القانونية توجت للصليب الأحمر لكن لم يستجيبوا لي، وقد التقيت والدي بعد اتصالات لي بالتشكيل أثناء احتجازه وكان في حالة مزرية، وهدأت العائلة التي كانت تريد استرجاعه بالقوة بعد أن علمنا بمكان اعتقاله خوفا من أن يحدث صدام مسلح، وكنت خلال تلك الفترة رغم خوفي على حياة وصحة والدي مصرة أن تتم استعادته بالطرق القانونية، وعندما توجهت للنيابة العسكرية لطلب المساعدة قالوا لي أن القانون خارج السيطرة، وتوجهت لوكيل النيابة الذي ساعد في إطلاق سراح والدي لمعرفتي الشخصية به، وإثر زيارتي قام ببعث قوة من كتيبة الإسناد للمطالبة بتسليم والدي للنيابة مؤكدين عدم شرعية اعتقاله كما تدخل عضو في لجنة حقوق الإنسان وآمر أحد التشكيلات العسكرية فرج العبدلي، ووفقا للقانون أحيل من النيابة للسجن العسكري، وتم الإفراج عنه ثاني".

وأكملت إبنة ضيفنا "حين قرأ وكيل النيابة محضر التحقيق المعد بواسطة الكتيبة تبين لي أن بعض ما كتب لم يكن من أقوال والدي فطالبت بإلغائها، كما تم استدعاء الشخص الذي سبق وأن استدعته الكتيبة المسلحة قبل وطلب الحماية أولا من وكيل النيابة، ونفى كل اعترافاته بتورط والدي، واخبره أن كل ما قاله كان تحت التهديد والضغط، وتم الإفراج عن والدي بعد أن خضع لطبيب شرعي عن طريق النيابة العسكرية، وقد قدمنا شكوى ضد المجموعة المسلحة، واعترفت تلك المجموعة بأنها لا تملك معلومات تدينن أبي، وتبيين أنهم متورطين بوشاية من شخص كان يرغب بالانتقام من والدي، كما قدمنا شكوى مدنية أخرى ضد الشخص الذي وشى بوالدي ظلما".

وأخبرنا ضيفنا عن تصرف التشكيلات المسلحة العشوائي قائلا "تصرفات هذه التشكيلات تمس سيادة القضاء وتستهين باختصاصها، حيث رفض من حقق معي إعطاء التقرير لوكيل النيابة بعد تسليمي لها، وقضيت ساعة واحدة لدى وكيل النيابة من ثم تم تحويلي للشرطة العسكرية"، ومشيدا بالأجهزة التابعة لمؤسسات الدولة قال "تمت معاملتي لدى الشرطة العسكرية ببروتوكولات الجيش المنظم المحترم دون أن يعترض لي أحد".

  فيما توعدت إبنة من احتجز وعذب "لو لم يقم القانون بأخذ القرار الحاسم والعادل تجاه قضية والدي فإني سأتخذ إجراء آخر خصوصا، مشيرة إلى أنها تعرضت للتهديد أثناء اعتقال والدها".

وتنضم هذه الأصوات لكل الأصوات المطالبة والمنادية بضرورة إعادة هياكل الدولة العسكرية والقضائية، والتي تضع حياة المواطن واحترامه وأمنه أول أولوياتها، دون استخدام للعنف أو التعذيب.